مرحباً بكم فى مدونتى الألكترونية

مرحبا بكم فى مدونتى الألكترونية , فقد شرفنى مروركم

الأربعاء، أغسطس 09، 2006

رحلة للاطلاع على على غيفارا عن قرب...


رحلة للاطلاع على على غيفارا عن قرب...
رحلة اكتشاف المحطات التي صنعت الثائر الأرجنتيني غيفارا
رحلة غيفارا الاسطورية و رحلة مغام اخر اراد حدو نفس التجربة بعد44 سنة...

تبقي لعام 1952 أهمية خاصة في حياة الثائر الارجنتيني ارنستو تشي غيفارا، إذ في خلالها قام برحلة طويلة علي دراجته البخارية قاطعا مسافة 10 آلاف ميل فوق طرقات قارة امريكا اللاتينية. وشكلت هذه الرحلة المثير تحولا جذريا في مسار حياة طالب الطب اليافع. بعد مضي نصف قرن علي تلك الرحلة قرر باتريك سايمز البريطاني الجنسية تتبع خطي غيفارا، واستغرق تحقيق هذا الحلم اربعة اشهر، حيث ساعدته هذه الرحلة علي اكتشاف السر وراء تحول ذلك المتسكع البورجوازي الي رمز ثوري متداول في معظم الادبيات والتجارب السياسية في العالم.
ابتدأ سايمز رحلته مبكرا من بوينس آيرس ولم تمض سوي ساعة واحدة حتي اختفت وراءه البيوت لتحل محلها مناظر طبيعية شاسعة تجريدات فراغية تحفز علي رؤي طوبائية شديدة الكمال . لم يكن هناك أي اثر للغيوم او المباني، للحيوانات او الاصوات، بل حتي الغازولين نفذ عنده. يعلق سايمز في كتابه تعقب تشي الذي صدر مؤخرا لم تكن هذه بداية مبشرة بالخير ليومي الاول في متابعة رحلة تشي غيفارا (رمز حرب العصابات في فترة الستينيات)، إذ لم تمض سوي سبع سنوات علي تلك الرحلة حتي دخل غيفارا ظافرا مع فيدل كاسترو الي هافانا، والي كتب التاريخ، ولم يمر سوي عقدين علي تلك الرحلة حتي تصبح لحية تشي وبيريته علامة تجارية للقمصان والسلع الاخري تجذب ملايين الشباب لها، في الوقت نفسه تحول غيفارا في المخيلة الجمعية قديسا ملهما للتمرد علي المؤسسات المحافظة، وعلي عدم المساواة.
كان غيفارا في الثالثة والعشرين من عمره حينما ابتدأ رحلته. آنذاك كان علي مفترق طرق، إذ كان قد ترك قبل ذلك عمله ودراسته الجامعية، ولم يتميز بشيء خاص سوي ميل قوي للالتزام بالقضايا الاجتماعية واستعداد واضح للتخلي عن حياته السابقة. هكذا انطلق ارنستو غيفارا مع صديقه البيوكيمياوي البرتو غرانادو للقيام برحلة مشتركة علي دراجة بخارية عتيقة عمداها تحت اسم لا يناسبها لابوديروسا أي القوية.
عبر كل الطرق التي قطعها استخدم سايمز كتاب تشي غيفارا (الذي نُشر لاحقا، والذي يحمل عنوان يوميات دراجة بخارية ) دليلا في حركته.
كان الامل يحدوه أن يكتشف المكان واللحظة اللذين تبني غيفارا فيهما اسم تشي ليصبح هذا الاسم مجسدا وبشكل حرفي لرؤية غيفارا لنفسه كانسان ثوري.
يقول سايمز مبررا مشروعه الآن وبعد 44 سنة علي تلك الرحلة، وبالذهاب الي الامكنة التي وصل اليها، يغمرني أمل قوي باكتشاف اصول ذلك الشخص الذي ظل يلهم الثورة علي امتداد قارة امريكا اللاتينية، وذلك يعني ان علي السفر عبر تشيلي وبيرو منتهيا في مدينة بوليفية صغيرة حيث قتل تشي غيفارا وهو يقاتل من أجل الثورة الشيوعية عام 1967 .
علي وفق يوميات غيفارا، كانت اول محطة له مع صديقه مدينة ميرامار التي وصلا اليها يوم 6 كانون الثاني (يناير) عام 1952. آنذاك كانت تلك المدينة الصغيرة الساحلية منتجعا صيفيا للنخبة الارجنتينية. ولم يكن وصوله الي هناك الا لزيارة صديقته ماريا ديل كارمن فيريرا، والمعروفة باسم تشيشينا. آنذاك كانت صديقته في السابعة عشرة وهي تنتمي الي اسرة عريقة من قرطبة الارجنتينية، وسبق لارنستو أن أمضي وقتا في مساعيه لكسب حظوتها. وعلي الرغم من أن عائلة غيفارا لم تكن تمتلك رصيدا ماليا كبيرا بسبب استثمار الاب كثير من امواله في مشاريع فاشلة، لكنها مع ذلك كانت في موقع اجتماعي مرموق في العاصمة بوينس ايرس يسمح طبقيا لارنستو الابن ان يقترب من الفتاة تشيشينا.
من ناحية اخري، كان الصديق المرافق البرتو غرانادو شخصا ماركسيا مع امتيازات اجتماعية عدة بسبب موقعه المهني. وحالما التقي باصدقاء تشيشينا البورجوازيين في منتجع ميرامار حتي راح يستخدم تحليلاته الطبقية عليهم. كتب غرانادو في يومياته عنهم هم يؤمنون بأنهم وفق حق إلهي يستحقون أن يعيشوا حياة خالية من أي همّ سوي موقعهم الاجتماعي . ويبدو أن غيفارا كان آنذاك منغمرا بتحليل طبقي من نوع آخر، إذ بعد تنزهه علي امتداد الشاطئ مع صديقته الجميلة تشيشينا والتمتع بالبقاء معها في داخل سيارة، كتب في دفتر يومياته الجانب البورجوازي داخلي ما زال في طور التشكل .
يصف باتريك سايمز ليلته التي قضاها في منتجع ميرامار الذي احتشد بالسياح المنتمين لمختلف الطبقات. اذ علي الرغم من اجبار صندوق النقد الدولي الارجنتي علي اقتطاع بليون جنيه استرليني من ميزانيتها فان اجراءات التقشف لم تؤثر سلبا الا علي الفقراء. مع ذلك فان الارجنتين لديها القدرة علي اتخاذ قرارات لا تستطيع بلدان امريكا اللاتينية الاخري الا ان تحلم بمثيلها، مثل فرض الحد الادني للاجر.
واجراءات كهذه ساعدت علي تمكن كثير من الفئات الشعبية الذهاب الي ميرامار، بعكس ما كان الوضع عليه ايام رحلة غيفارا، علي الرغم من تدهور خدماته.
في بداية الخمسينيات عرفت الارجنتين تحت حكم بيرون وزوجته ايفيتا قدرا كبيرا من المساواة الاجتماعية نتيجة لتنفيذ بعض وعودهما التي قطاعها للناخبين في نهاية الاربعينيات، إذ أصبحت اسعار الطعام رخيصة والدخول الي الجامعة مجانيا واليوم اصبح كثير من الناس قادرين علي القدوم الي ميرامار.
في اليوم اللاحق سافر سايمز الي تشيلي التي عرفت احداثا مأساوية هائلة بعد الانقلاب العسكري الذي قاده بينوشيه عام 1973، وحسب ما قالته الروائية ايزابيل اليندي له فان أي حديثاً عن الماضي في تشيلي هو خال من الذوق ، إذ لن يؤول ذلك الا الي إنكاء الجراح القديمة مرة اخري، علي الرغم من انها ابنة أخ الرئيس الماركسي سالفادور أليندي الذي قتل علي أيدي العكسر المشاركين في الانقلاب. لذلك كان علي سايمز ان يبحث عن اولئك المستعدين للتحدث عن الماضي، ولا بد انه عثر علي ضالته حينما تعرف علي الرسام والكاتب روبرتو اورويو.
قال اورويو الناس نسوا تشي الآن . كان اورويو في الرابعة عشرة حينما انتمي الي منظمة الشباب الغيفاري وهي مجموعة من الطلبة كرست وقتها لدراسة تعاليم بطلها. آنذاك كانت صور غيفارا معلقة في كل مكان لكن بعد انقلاب بينوشيه الدموي منعت صوره. بالمقابل اصبح المنتجع السياحي في مقاطعة فالديفيا واحدا من أتعس مراكز القمع في البلاد. اضاف الكاتب اورويو متأسفا لمواقف منظمته المتطرفة ضد الحكم الاشتراكي: كان نظام اليندي يمثل سلطة الشعب بكل معني الكلمة، اذ تمت أثناء ذلك مصادرة الاراضي الزراعية وتحقق تطبيق الماركسية المنتخبة ديمقراطيا، لكن الحلم الغيفاري فسر التاريخ بكل خاطئ.. ولا بد أن ذلك شارك في تحفيز قادة الجيش علي القيام بالانقلاب العسكري. وفق تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة جاء ما يلي: يوم 7 تشرين الاول (اكتوبر) عام 1973 تم اعدام الحطاب انريز سيلفا (33 عاما) من قبل افراد في الجيش، في مجمع بانغوبولي للغابات، وكان سيلفا قد اعتقل في بيت اهله.. أعدم اندريز سيلفا من قبل رجال عاملين في الدولة.. بعد مضي يومين علي اعتقال سيلفا قامت مجموعة من العسكر باعتقال 17 حطاباً نقابياً ونقلتهم الي مزرعة خاصة بين الهضاب ليقوم بعض أفرادها باعدامهم، وفي اليوم اللاحق قام رجال الشرطة باحتجاز 16 شخصا، وهؤلاء اما نقابيون او أعضاء في منظمات فلاحية، ونقل هؤلاء الي جسر حيث أطلقت رصاصة واحدة عن قرب في رأس كل منهم ثم القيت بجثثهم الي النهر. كان المبرر وراء هذه الجرائم دائما نفسه: تشيلي كانت في حالة حرب مع الشيوعيين. انه شبح غيفارا الذي كانت الطغمة العسكرية تحاربه، وخلال اشهر قليلة تمت تصفية الحركات اليسارية الموجودة في فالديفيا.
قال اورويو باسي ما زال اولئك المشاركون في التصفيات يمتلكون مواقع مهمة داخل الحكومة وبين صفوف رجال الاعمال والشرطة وملاكي الارض والمواطنين العاديين، وهم لا يرغبون في نبش ماضيهم .
أضاف وهو يتطلع الي المدينة عبر النافذة المطلة علي الشارع: هذا هو حكم التاريخ علي تشيلي، علي الضحية والجلاد ان يمشيا كل يوم في الشوارع نفسها حيث يتجاوز احدهما الآخر. توقف سايمز عند مدينة تيموكو التابعة لمقاطعة فالديفيا. وبعد بحث دؤوب في ارشيفات الجريدة المحلية الدياريو اوسترال ، عثر علي صورة ارجنتينيين علي ظهر دراجة بخارية لدي وصولهما الي تيموكو عام 1952. في الصورة بدا غيفارا الشاب شبيها بممثل سينمائي في الوقت الذي ظهر صديقه بشعره المشعث الكث مفعما بالحياة.
كتبت الصحيفة آنذاك: اخصائيان في مرض الجذام يقومان بجولة في امريكا الجنوبية علي دراجة بخارية.. منذ البارحة يقيم في تيموكو دكتور الكيمياء الحيوية السيد البيرتو غرانادوس، وطالب الطب في السنة السابعة من جامعة بوينس آيرس السيد ارنستو غيفارا سيرنا، وينوي هذان الاخصائيان زيارة عدد من بلدان امريكا اللاتينية.. العالمان الزائران متخصصان في مرض الجذام.. وهما علي اطلاع كبير علي هذه المشكلة التي لها آثار سلبية كبيرة علي وطنهما، وقد عالج هذان الخبيران اكثر من 3 آلاف مريض، وبانتهاء يومهما في تيموكو سيتوجه السيدان غرانادوس وغيفارا صوب مدينة كونسيبسيون.
لكن الاحداث لم تسر بهذا الشكل، إذ ان الاخصائيين الكبيرين واجها مشكلة تمزق اطار العجلة الداخلية بعد مغادرتهما الجريدة مما جعلهما عرضة للامطار الغزيرة، ولم ينقذهما من هذا الوضع المزري سوي مرور الطبيب البيطري راؤول الذي نقلهما مع الدراجة البخارية الي المدينة. وهناك استطاع اقناعهما بالذهاب معه الي المبغي علي حسابه الخاص، ومع صدور التحقيق الصحفي حولهما اكتسب الصديقان اهتماما وتقديرا خاصا لعملهما العلمي ، وهذا ما دفع غيفارا لتسجيل ما يلي في يومياته: انها باختصار نتيجة جرأتنا ان نصبح خبراء في حقل وباء الجذام، واننا عالجنا 3 آلاف مريض، واننا نعرف جميع المراكز الموجودة في امريكا اللاتينية وشروط النظاقة فيها، مع ذلك فقد تنازلنا لزيارة هذه المدينة الصغيرة، ولم يمض وقت طويل قبل ان تجتمع الاسرة كلها حول المقالة.. وهكذا منعمين بكل اعجابهم ودعنا هؤلاء الناس الذين لا نعرف أي شيء حولهم، بل ولا نعرف حتي اسماءهم.
يقول سايمز لم استطع منع نفسي من الضحك عند قراءة هذا المقطع، اذ في هذا المكان اكتشف غيفارا قدرته علي تقمص أي شخصية تصادفه علي الطريق، فبدلا من ان يكون طالب طب متخليا عن دراسته ولديه اهتمام عام بالجذام تحول الي خبير كبير في هذا الحقل، وبدلا من ان يكون شخصا عاديا منجذبا الي دور البغاء كأقرانه تقمص شخصية العالم الكبير، ولا بد أن التحول قد بدأ هنا، باجراء ثورة جذرية علي حياته .
ولن تمضي فترة طويلة قبل وقوع حادثة اخري، اذ أثناء هبوط الصديقين من هضبة وعرة انكسرت فرامل العجلة الامامية، حينما اطل امامهما قطيع من البقر ووراءه كان هناك نهر، واضطر غيفارا للسيطرة علي دراجته ان يضرب بقرة ولتجنب السقوط في النهر اصطدم بالجرف، وكانت النتيجة تحطم الدراجة لابوديروسا الي الابد.
بعد سحبها الي مدينة لوس انجليس القريبة منهما، وجد الصديقان مكانا لخزن الدراجة المهشمة، داخل مركز لمكافحة الحرائق. وهناك استضافهما مدير المركز علي اعتبار انهما متطوعان وحينما بلغ المركز خبر وقوع حريق في منتصف الليل شارك المتشردان في اطفائه. يكتب صديق غيفارا في دفتر يومياته حينما اصبحت النار تحت سيطرتنا في تلك الليلة ارتفع بكاء قطة صغيرة داخل خرائب الحريق من سقف البيت.. علي الرغم من احتجاج عمال الاطفاء الآخرين ذهب غيفارا للبحث عن القطة، وحينما عاد مع قطة صغيرة بين يديه صفق له الجميع وتقرر الحفاظ علي القطة في مركز مكافحة الحرائق .
وفي هذا المكان بالذات ولد اسم تشي . اذ يتميز الارجنتينيون باستخدام مفردة تشي كلازمة أثناء تبادل الحديث، وحينما غادر غيفارا وصديقه المركز، كان العاملون هناك يصرون علي تسميتهما بتشي الكبير وتشي الصغير، وأثناء عودتهما اصر تشي الكبير علي الحفاظ علي اسمه الجديد لازمة لارنستو.
واذا كانت ادعاءات الصديقين بأنهما أخصائيان في الجذام غير حقيقية، فان الصديق غرانادو قد كرس سنوات عديدة بعد عودته الي الارجنتين للعمل في مستعمرات الجذام، وكذلك كانت نية ارنستو بعد تخرجه من الجامعة.
في رسالة من عاصمة بوليفيا، ليما، كتب غيفارا الي ابيه أقوي علاج لمرض الجذام هو مصافحة المريض بقوة . وأثناء زيارته لليما ظل غيفارا مواظبا علي الجلوس مع المجذومين اضافة الي لعب كرة القدم وتناول الطعام معهم، يضيف ارنستو في رسالته لابيه قد يبدو هذا تبجحا بالشجاعة لا جدوي منه لكن الفائدة السيكولوجية التي يكسبها هؤلاء الفقراء ــ الذين غالبا ما يعاملون كحيوانات ــ في كونهم عوملوا كبشر طبيعيين، لا تقدر بأي شكل من الاشكال . مع ذلك، وعلي الرغم من ان غيفارا لم يبق سوي اسبوعين في ليما، حيث قضي الجزء الاكبر من تلك الفترة في زيارة المتاحف، لكن المجذومين المقيمين في مستشفي غويا (والتي زارها غيفارا عام 1952 ولفترة قصيرة) يصرون علي بقائه مع اسلافهم اشهراً عدة، بل هناك كوخ ازرق في مستعمرة الجذام يزعمون ان غيفارا اقام فيه.. وهذه الحال تتكرر مع ملايين المعدمين في امريكا اللاتينية، والذين لا يجدون هناك أي بطل آخر سوي غيفارا.
الكثيرون ممن التقاهم سيامز أثناء رحلته ظلوا يكررون لسيامز ان تشي عاش ومات من أجلهم.

ليست هناك تعليقات: